الدكتور قيصر كباش (*)

مقولة تاريخية أطلقها الشهير لقمان الحكيم قديماً وما تزال تتردد إلى يومنا، كتعبير عن الأخوّة التي تتجاوز الروابط العائلية وأواصر الدم والقربى، لتشمل روابط المحبة والوفاء فتشكّل المعنى الحقيقي للصداقة الأخوية. فيقال: إن الصداقة تُبنَى عبر كيمياء تجاذب الأرواح، كتعبير فلسفي يصف التفاعل بين البشر كتفاعل العناصر الكيميائية، حيث تنجذب الأرواح لبعضها دون مبرر ظاهر، مما يجعل شخصاً يبدو مألوفاً وكأننا نعرفه منذ سنين فنرتاح لملقاه، بينما لا نطيق الجلوس مع آخر لدقائق معدودة، وهو سر تآلف الأرواح أو تنافرها، كما في الحديث الشريف:
«الأرواحُ جنودٌ مجنّدَة، فما تعارف منها ائتلَفْ، وما تَناكرَ منها اختَلفْ»
حيث إن الأرواح تكتشف النفاق والرياء، وتأسرها الأخلاق الفاضلة الحميدة، فغالباً القلوب التي تحمل الخير ولا تضمر الشر تفوز بدرجة التقارب والتآلف، فتتلاقى الأرواح وتتآلف ولا تتخالف كما قال الشاعر:
تَعارُفُ أرواحُ الرجالِ إذا التقوا
فَمنهُمُ عَدوٌّ يُتَّقَى وَخَليلُ
كذاكَ أمورُ النَّاسِ والنَّاسُ مِنهُمُ
خفيفٌ إذا صَاحبتَه وَثَقيلُ
إن الصداقة والأخوة تعبيران مجازيان لا توزنان بميزان ولا تقدران بأثمان، كالوردة عبيرها الصدق ورحيقها الإخلاص، والصداقة الحقيقية ليست بالبقاء مع الصديق وقتاً أطول، بل بالبقاء على العهد مهما طالت المسافات أو قصرت، فوجود الصديق الحقيقي الذي لا يحمل في قلبه الحقد هو كنز لا يعوض، لأن الصداقة كالمظلة كلما اشتد المطر زادت الحاجة لها، فالصديق المخلص هو من يحوّل لحظات الهم إلى فرح تتعالى معه الضحكات وتعود الذكريات.
وتعتبر الصداقة من أجمل العلاقات الإنسانية، فهي علاقة مبنية على الصدق والإخلاص والتعاون والوفاء، وفي حال فُقدَ أحد أركانها سيتغير مفهومها، فتجد الكثير ممن يبدعون في التسلل لحياتنا، يتقنون فن التمثيل ويختارون دور الصديق الوفي الأمين.. ولكن!! علينا دائماً أن نتذكر:
«احذر عدوك مرة وصديقك ألف مرة.. فربما انقلب الصديق فكان أعلم بالمضرة»
حمانا الله وإياكم من زيف الأصدقاء..

(*) طبيب أسنان